عندما يصبح التعليم وسيلة لإفساد المرأة


إن التعليم من أخطر الأمور في حياة الأمم فبسببه ترتفع الأمة إلى القمم وبسببه أيضاً تنحدر إلى القيعان والأودية ، ويمكن له أن يكون وسيلة من وسائل التقدم أو وسيلة من وسائل التأخر ، وقد عبر عن ذلك محمد إقبال قائلاً: (إن التعليم هو الحامض الذي يُذيب شخصية الكائن الحي ، ثم يُكونها كيفما يشاء ، وإن هذا الحامض هو أشد قوة وتأثيراً من أي مادة كيماوية ، وهو الذي يستطيع أن يُحول جبلاً شامخاً إلى كومة تراب) .

وقد أدرك أعداء الإسلام خطورة التعليم فاتخذوا منه أسلوباً لاستعباد الأفراد والأمم ومسخهم من دينهم وعقيدتهم وأخلاقهم ، وطبعهم بالطابع الغربي . وقد عبر اللورد كرومر عن ذلك بقوله : ( إن المصري الذي خضع للتأثير الغربي فإنه وإن كان يحمل الاسم الإسلامي لكنه في الحقيقة ملحد ارتيابي ، والفجوة بينه وبين عالم أزهري لا تقل عن الفجوة بين عالم أزهري وآخر أوروبي ) .
ولقد اهتموا بتعليم المرأة بالذات لأنها أقصر طريق يؤدي إلى حصن الأسرة والمجتمع الإسلامي وبالتالي فهي أسهل وسيلة لنقل الأفكار والفساد ، ولأن فسادها يترتب عليه فساد النشء والأسرة والمجتمع وكانت محاور جهودهم في الآتي :-
1- فتح المدارس والجامعات الأجنبية .
2- وضع المناهج .
3- فرض سياسة الأمر الواقع بفتح بعض التخصصات .
أولاً / فتح المدارس والجامعات الأجنبية :
لقد اهتم الأعداء بفتح المدارس العلمانية المسيحية لغزو العقلية الإسلامية بثقافاتهم ونمطهم الاجتماعية والخلقية ، ودسهم السم في العسل تحت ستار العلم . لهذا قام المنصرون بالذات بإنشاء المدارس والجامعات الأجنبية ويعلمون تأثيرها .
وهذا المنصر – كاتلي – يقول : ( يجب أن نشجع إنشاء المدارس على النمط الغربي العلماني ، لأن كثيراً من المسلمين قد زُعزع اعتقادهم بالإسلام والقرآن حينما درسوا الكتب المدرسية الغربية وتعلموا اللغات الأجنبية ) .
وأول مدرسة فُتحت في بيروت عام 1830م وهي التي يقول عنها – جب - : ( إن مدرسة البنات في بيروت هي بؤبؤ عيني ، لقد شعرت أن مستقبل سورية إنما هو بتعليم بناتها ونسائها ) . ثم فتح المبشرون مدارس كثيرة للبنات في مصر والسودان وسورية ولبنان والهند والأفغان وتركيا ، حتى كان لهم في سورية وحدها مائة وأربع وستون مدرسة .
كما اهتم المنصرون بفتح المدارس الداخلية لأنه يجتمع بها الكثير من بنات المسلمين ، ولأنها تجعل الصلة بالطالبات أوثق ، ولأنها تنتزع الطالبات من نفوذ حياتهن الإسلامية حتى يعشن الحياة المسيحية . وتقول المنصرة – آنا مليكان - : ( لقد استطعنا أن نجمع في صفوف كلية البنات بالقاهرة بناتٌ آباؤهن باشوات وبكوات ، ولا يوجد مكان آخر يمكن أن يجتمع فيه هذا العدد من النبات المسلمات تحت النفوذ المسيحي وبالتالي ليس هناك طريق أقرب إلى تقويض حصن الإسلام من هذه المدرسة ) .

قصة واقعية من المدارس الأجنبية ..
نضرب مثال على تأثير المدارس التنصيرية على المسلمات بقصة المطربة – نجاح سلام – التي تقول فيها :    ( إن جدها كان رجل فقه ودين وهو الشيخ عبدالرحمن سلام ، وتقول : في نهاية كل عام دراسي تُقام حفلة وكان من الطبيعي أن أُغني فيها ويعود الفضل في ذلك إلى السيدة الفاضلة – اميلي سوسن – التي طلبت من والدي أن تتبناني ، فقال والدي : كيف لي أن أقبل وهي وحيدة من بين خمس فتيان ، وفعلاً نفّذت جانباً من رغبتها وبقيت في المدرسة لفترة طويلة وكانت ترفض أن تأخذ مما يترتب على والدي من نفقات وشجعتني كثيراً ومنحت لي في نهاية كل عام فرصة تقديم حفلة في المدرسة .. ) .

الجامعات والكليات الأجنبية :
لقد كانوا يهدفون من إنشاء هذه الكليات والجامعات إلى أمور :-
1- بناء جيل جديد مهجن نصفه مسلم والنصف الآخر نصراني وقد عبر هنري جب عن ذلك بقوله: ( إن التعليم في المدارس والإرساليات المسيحية إنما هو وسيلة إلى غاية فقط ، هذه الغاية هي قيادة الناس إلى المسيح ، وتعليمهم حتى يُصبحوا أفراد مسيحيين وشعوباً مسيحية ، ولكن حينما يخطو التعليم وراء هذه الحدود ليُصبح غاية في نفسه وليُخرج لنا خيرة علماء الفلك وطبقات الأرض وخيرة الجراحين والأطباء فإننا لا نتردد حينئذ أن نقول : إن رسالة مثل هذه قد خرجت عن المدى التبشيري المسيحي إلى مدى علماني محض .. إلى مدى علمي دنيوي ، مثل هذا العمل تقوم به جامعات مثل : اكمبردج ، وهارفاردلا الجمعيات التبشيرية التي تسعى إلى أهداف روحية فحسب ) .
2- تغريب المجتمع الإسلامي وذلك لأنهم فشلوا في تنصيره .
3- إعداد قادة الرأي في البلاد الإسلامية وقد رسموا خطتهم على أساس أن يتولى خريجو هذه المدارس أسمى المناصب ، يقول – آنتين لامي – ( إن مقاومة الإسلام بالقوة لا تزيده إلا انتشاراً ، فالواسطة الفعالة لهدمه وتقويض بنائه في تربية بنيه في مدارس مسيحية وإلقاء بذور الشك في نفوسهم وإن لم ينصّروا منهم أحد ، فإنهم يعدون لا مسلمين ولا مسيحيين ، وأمثال هؤلاء يكونوا بلا ارتياب أضر على الإسلام مما إذا اعتنقوا المسيحية وتظاهروا بها ) .


الجامعات والكليات في العالم الإسلامي :
أ) كلية التجارة بالإسكندرية .
ب) الجامعة الأمريكية في القاهرة وبيروت واستنبول وكراتشي وكمبالا .
ج) كليات البنات الأمريكية في القاهرة وأسيوط والأقصر وبيروت وسوريا .
د) المعاهد مثل المعهد الشرقي ومعهد دار السلام والمعهد الفرنسي .
2- المناهج :
اهتم أعداء الإسلام بوضع المناهج التي تخدم مصالحهم وركّزوا عليها لأنهم يعلمون خطورة المناهج ، لذا نجد أن مناهج التعليم في معظم العالم الإسلامي تُربي الجيل على الكفر والإباحية ، وإن المناهج الدينية في المدارس كافة أقرب إلى الانحسار والانقباض وقد اهتموا كثيراً بمناهج المرأة فجعلوها كمناهج الرجال ومراحل التعليم كمراحل الرجال ، وهي خطوة في الدعوة إلى المساواة مع أنه الواجب أن تكون للنساء مناهج خاصة بهم تناسب وضعهم والدور المطلوب منهن في المستقبل من العناية بالزوج والأولاد ولا مانع من المساواة في بعض المناهج الدينية التي يحتاج إليها الطرفان .
3- إنشاء الكليات والجامعات التي أُريد بها في البداية محاربة الدين والأخلاق .
4- اتباع سياسة الأمر الواقع وذلك بإحراج المجتمع عن طريق فتح بعض التخصصات في الجامعات لا تناسب المرأة ولا المجتمع بحيث إذا تخرجن منا بأعداد كبيرة بدءوا في طرح مشكلتهن والبحث عن عمل لهن ..
5- الاختلاط .
6- بث الأفكار والنظريات الغربية والمبادئ الإلحادية .

تاريخ تعليم الفتاة السعودية :
كان التعليم حتى عام 1380هـ يعتمد على القطاع الأهلي وقد كان في البداية يوجد كتاتيب لبعض النساء لتعليم القرآن الكريم وفُتحت أول مدرسة ابتدائية في مكة عام 1362هـ ، وأول مدرسة في الرياض المعهد النموذجي أو مدرسة الكريمات والذي فُتح عام 1371هـ وكان خاص بالعائلة المالكة ، وفي جدة فُتح دار الحنان عام 1375هـ تحت إشراف عفت زوجة الأمير فيصل ، ثم فُتحت مدرسة الزهراء الابتدائية عام 1378هـ والتي أنشأها عبدالله عبدالجبار وقد لعبت المدرسة دوراً كبيراً حيث فُتحت أول متوسطة عام 1381هـ وأول ثانوية عام 1385هـ .
قبل قيام المملكة بتبني التعليم للفتيات قامت بجس نبض الأهالي حول تعليم الفتاة وذلك عن طريق الصحافة وطرح موضوع تعليم الفتاة ، وقد انقسم المواطنون إلى قسمين : قسم يرفضون التعليم مجملاً ويعتقدون أن تعليم الفتاة هو طريق لفسادها وهؤلاء هم السواد الأعظم ، والقسم الآخر يرى تعليمها ولكنهم ينقسمون إلى قسمين ، قسم يرى ألا تتجاوز المرحلة الابتدائية فقط والآخر يرى استكمال تعليمها ، لذا ظهر للدولة أن تعليم الفتاة ليس مقبول ، وعليه أسندت الإشراف عليه إلى هيئة دينية برئاسة الشيخ/ محمد بن إبراهيم – رحمه الله – وكان قبل فتح مجال التعليم الحكومي يقوم بعض المواطنون بإرسال بناتهم للدراسة في مصر للمراحل الثلاث وللمرحلة الجامعية ، ففي عام 1379هـ كان يوجد بعض الفتيات السعوديات في الجامعات المصرية .
ثم صدر الأمر السامي في عام 1380هـ وفيما يلي نص المرسوم : ( الحمد لله وبعد فقد صحت عزيمتنا على تنفيذ رغبة علماء الدين الحنيف في المملكة في فتح مدارس لتعليم البنات العلوم الدينية من قرآن وعقايد وفقه وغير ذلك من العلوم التي تتمشى مع عقائدنا الدينية ، كإدارة المنـزل وتربية الأولاد وتأديبهم مما لا يُخشى منه في العاجل أو الآجل أي تأثير على معتقداتنا الدينية ، وتكون هذه المدارس في منأى عن كل شبهة من المؤثرات التي تؤثر على أفكار النشء وأخلاقهم وصحة عقيدتهم وتقاليدهم ، وقد أمرنا بتشكيل هيئة من كبار العلماء الذين يتحلون بالغيرة على الدين والشفقة على نشء المسلمين لتنظيم هذه المدارس ووضع برامجها ومراقبة حسن سيرها فيما أنشئت له ، وتكون هذه الهيئة مرتبطة بوالدهم صاحب السماحة المفتي الأكبر الشيخ/ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، على أن يختار المدرسات من أهل المملكة أو غيرهم من اللواتي يتحقق فيهن حسن العقيدة وصدق الإيمان ، ويضم في هذه المدارس ما سبق فتحه من مدارس للبنات في عموم المملكة ، وتكون جميعها مرتبطة بالتوجيه والتنظيم إلى هذه اللجنة تحت إشراف سماحته مع العلم أن هذا التشكيل يتطلب الوقت الكافي وتهيئة وسائل التأسيس ونأمل أن يكون ذلك في وقت قريب ، والله الموفق ولا حول ولا قوة إلا بالله ) سعود بن عبدالعزيز ..
بعد هذا المرسوم بدأ فتح المدارس الابتدائية وبعد ثلاث سنوات فُتحت المدارس المتوسطة ومعاهد المعلمات ، وفي عام 89/90هـ بدأ التوسع في فتح المدارس الثانوية .
وفي عام 90/91هـ فُتحت كلية التربية للبنات في الرياض التابعة للرئاسة ثم فُتحت في مكة وجدة والشرقية .
ولقد ذكر العلمانيون ( مجلة المجلة 1003-2-8/5/1999م ) (( مجال تعليم المرأة هو الذي عرض هذه البذرة التي أثمرت التعدد المعرفي وما أنجزته المرأ السعودية )) .
تحايل العلمانيين :
لا شك أن نظام التعليم التابع للرئاسة لا يحقق طموح العلمانيين وإن كان حقق لهم خطوات جيدة في تعليم الفتيات ، ولكنها تقف أمامهم عثرة في أمور مهمة تساعد في تغريب المرأة المسلمة بدرجة كبيرة جداً ومن ضمنها وجود بعض التخصصات التي لا توافق عليها الرئاسة مثل دراسة : الأدب الإنجليزي – الأدب الفرنسي – الاقتصاد – التمريض – السكرتارية – التمريض – الفنون الجميلة – القانون – الهندسة – الزراعة .. وغيرها من التخصصات ، كما أنها لا تسمح بالابتعاث الخارجي للفتيات ، لذا فقد تم التحايل على الرئاسة وذلك بفتح المجال أمام الفتيات لإكمال دراستهم الجامعية عن طريق الانتساب فقط وذلك في جامعة الملك سعود عام 81/82هـ في كليتي الآداب والعلوم الإدارية وبدأ الانتظام في جامعة الملك سعود في 4/9/1395هـ وفتحت الجامعة مركز للدراسات الجامعية للبنات عام 1396هـ .
- فتح الانتساب للبنات في كلية التربية بمكة التابعة لوزارة المعارف في 6/7/1387هـ وسمح بالانتظام عام 91/92هـ .
- كان البدء في فتح الدراسة النظامية عن طريق جامعة الملك عبدالعزيز عند إنشائها وذلك عام 1387هـ وقبلت هذا العام في كلية الاقتصاد 30 طالبة ، تحت إشراف بوران القباني وهي أول موظفة سعودية عملت في الأمم المتحدة من ( 1378 – 1384هـ ) .
كذلك فُتحت دراسات نسائية بعيدة عن رقابة الرئاسة العامة مثل معاهد التمريض النسائي ، والمعاهد الفنية النسائية ، كما فتح المجال في بعض التخصصات مثل الطب والعلوم الطبية والصيدلة وكلية العلوم وطب الأسنان والزراعة .
ثم فتحت جامعة الملك فيصل – كلية الهندسة المعمارية – المجال أمام الفتيات لدراسة الهندسة ( قسم التصميم الداخلي ) عام 1402هـ والتحق بها 18 فتاة ، وفي عام 1403هـ التحق بها 61 فتاة .
- إحصائية عن الدارسات في الكليات الطبية عام 1414هـ ( 3719 طالبة ) .
-         إحصائية عن الدارسات في المعاهد الصحية عام 1413هـ ( 2798 في 19 معهد ) .
- مشروع جامعة البنات : رفع المشروع متكاملاً إلى مجلس الوزراء وكان المقترح أن تُشرف عليه الرئاسة العام لتعليم البنات ( لكن لا يزال قيد الإدراج ) .
الابتعاث للخارج :
لا شك أن خطورة الابتعاث على الشباب ككبيرة وعلى الفتيات أخطر ، لذا فقد يسروا للفتاة الابتعاث وإلى أي بلد تشاء حتى يضمنوا إذا رجعت أن تكون رسول شر للعالم الغربي من أجل تغريب المسلمات ونقلهن من التمسك بالشرع إلى التمسك بالمناهج والأفكار الدينية ، كما فعل أسلافها في مصر والكويت والمغرب ولبنان ، ومع العلم أن الجامعات السعودية تمنح الآن الشهادات العليا إلا أن العلمانيين يحتجون باستمرار الابتعاث بسبب أن الحاجة ستظل ماسة إلى الاستعانة بخبرات الجامعات الغربية أمراً أساسياً لملاحقة أحدث ما وصلت إليه الخبرة الإنسانية لذا كان من الضروري فتح المجال في ذلك ضمن الشروط الموضوعة والتي لا شك في أن المرأة السعودية بما عرف عنها من إحساس بالمسؤولية تجاه الرب والوطن من أكثر الناس تحمساً لضرورة السير ضمن هذه الشروط . ونظرة بسيطة على إحصائية المبتعثين وتخصصاتهم تُعطي صورة عن الأثر الذي ستقدمه هذه الأعداد :
عدد المبتعثين في سنة 99/1400هـ ( الرجال 9118 ) – ( النساء 917 ) .
وإذا استعرض مواقع دراسة بعض الكاتبات في الصحف والرافعات لراية الدفاع عن المرأة والمطالبة بالحرية ، نجد أن غالبيتهن درس خارج هذه البلاد وحصلن على شهادتهن العليا من الخارج ..
( سميرة خاشقجي – الإسكندرية )، ( فوزية أبو خالد – الجامعة الأمريكية في بيروت ثم أكملت في أمريكا ) ،( خيرية السقاف – أمريكا )، ( فاتنة شاكر – أمريكا )، ( أمل شطا – القاهرة )، ( شريفة الشملان – بغداد)، (نورة الشملان – بغداد )،( انتصار العقيل – لبنان )، ( ابتسام حلواني – أمريكا )، ( ثريا قابل – الكلية الأهلية في بيروت )، ( عزة فؤاد شاكر – روما )، ( فوزية البكر – لندن )، ( الجوهرة العنقري – الجامعة الأمريكية في بيروت )، ( أميمة الخميس – أمريكا )، ( سميرة لاري – مصر ) ،( عزيزة المانع – أمريكا ) .
يتبع..