نظرة تاريخية في حركات تحرر المرأة في مصر..

إن جذور حركة الدعوة إلى تحرير المرأة في مصر تمتد إلى عهد محمد علي باشا حينما بعث المبعوثين إلى فرنسا والذين رجعوا يحملون تيارات فكرية دخيلة على دينهم ، بعد أن جهرهم العلم المادي واستعبدهم سلطان العقل وكان من أعضاء الجيل الأول ( رفاعة الطهطاوي ) الذي أقام في باريس خمس سنوات من ( 1826 – 1831م ) والذي كان قد رافق البعثة المصرية كواعظ وإمام . فبعد عودته بدأ يبذر البذور الأولى للكثير من الدعوات الدخيلة ، وقد ألف كتابه ( تخليص الإبريز في تلخيص باريز ) والذي أدعى فيه أن السفور والاختلاط بين الجنسين ليس داعياً للفساد.

وقد دعى إلى إنشاء المسارح والمراقص مدعياً أن ( الرقص على الطريقة الأوروبية ليس من الفسق في شيء بل هو أناقة وفتوة ) .
وفي سنة 1894م أي بعد احتلال الإنجليز لمصر بحوالي (12سنة ) ظهر أول كتاب في مصر أصدره صليبي من أولياء كرومر يُدعى ( مرقص فهمي ) وكتابه هو ( المرأة في الشرق ) دعا فيه صراحة وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المسلمة إلى ..
القضاء على الحجاب الإسلامي .
إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب منها .
تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي .
منع الزواج بأكثر من واحدة .
إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط .
وقد أحدث كتابه ضجة عنيفة ، وقد تلاه كتاب ألفه ( الدوق داركير ) باسم (( المصريين )) حمل فيه على نساء مصر وتعدى على الإسلام ، ونال من الحجاب وقرار المرأة المسلمة في البيت ، وهاجم المثقفين المصريين بصفة خاصة لسكوتهم وعدم تمردهم على الأوضاع .
تأثر ( قاسم أمين ) من داركير وتألم ، فألف كتاباً باللغة الفرنسية يرد على هذا الكتاب وحاول أن يدافع عن الحجاب ويرفع شأنه وإن كان رده قد اتسم بالخضوع والذلة ، وكان يطالب داركير أن يعتبر الإسلام في مرتبة النصرانية والمجوسية ، وقد استنكر في كتابه هذا على خطة بعض السيدات المصريات اللاتي يتشبهن الأوروبيات.
اقتنص خصوم قاسم أمين هذه الفرصة ووشوا به إلى الأميرة نازلي زوجة الملك فؤاد والتي كان لها صالون يجتمع فيه كبار الشخصيات وعلى رأسهم اللورد كرومر والشيخ محمد عبده وغيرهم ، وقالوا إن قاسماً يعنيك في كتابه ، لذا غضبت الملكة وكلفت مجلة المقطم بتعقب آراء قاسم والرد عليها ، ولكن هذه الحملة أوقفت بعد أن اقتنع قاسم بتصحيح خطئه واتفق مع سعد زغلول ومحمد عبده على أن ينشر كتاباً يصحح فيه خطأه ، ويؤيد الدوق داركير والقبطي مرقص فهمي في آرائهما .
وهكذا خرج قاسم أمين بكتابه ( تحرير المرأة ) سنة 1899م ، ودعى إلى ما دعى إليه الصليبي مرقص بحذافيره ، إلا أنه لم يتعرض لزواج المسلمات بالأقباط ،  وانصرف جهده إلى ( إن الحجاب بوضعه السائد ليس من الإسلام ، وأن الدعوة إلى السفور ليس فيها خروج على الدين أو مخالفة لقواعده ) .
وقد ركّز في كتابه هذا على النصوص الشرعية وفسرها بهواه . وقد كتب بعض فصول هذا الكتاب محمد عبده وذكر ذلك محمد عمارة عندما عدد إنجازات محمد عبده فقال: ( ومن أبرز أعماله الفكرية في هذه المرحلة .. الفصول التي شارك بها في كتاب تحرير المرأة لقاسم أمين ) .
قُوبلت هذه الدعوى الباطلة بردود فعل عارمة من دعاة الحق في جميع بلاد المسلمين وكانت هذه الردود على شكل مقالات وكتب والتي جاوزت مائة كتاب في الرد على قاسم أمين ، وكان من أهم الردود ألفه (محمد    طلعت حرب ) والذي قال في رده ( إنه لم يبق حائل يحول دون هدم المجتمع الإسلامي في الشرق كله لا في مصر وحدها إلا أن يطرأ على المرأة المسلمة التحويل بل الفساد الذي عم الرجال في الشرق ) .
ونشر محمد فريد وجدي مقالات قال في بعضها ( إذا أشرنا اليوم بوجوب كشف الوجه واليدين ، فإن سنة التدرج سوف تدفع المرأة إلى خلع العذار للنهاية في الغد القريب ، كما فعلت المرأة الأوروبية التي بلغت حالة التبذل درجة ضج منها الأوروبيون أنفسهم ) .
وقد وقفت الأحزاب الوطنية ضد قاسم أمين وعلى رأسها الحزب الوطني الذي يتزعمه مصطفى كامل وأصدر صحيفة ( اللواء ) وفتح صدرها لكل طاعن على قاسم أمين .
اهتم الإنجليز بكتاب قاسم أمين وترجموه إلى اللغة الإنجليزية ونشروه في جوانب الهند .
وكان للشعر موقف إيجابي من هذه الدعوة ، وأُلفت القصائد الطوال في جميع البلدان تفضح دعوى قاسم أمين وكان على رأس الشعراء ( أحمد محرم )



ثم لم يلبث مؤلف تحرير المرأة حين واجه هذه المعارضة التي أحرجته كثيراً ، إلا أن أسفر عن وجهه الحقيقي وخلع ثوب الحياء وقناع التدين وكشف في صراحة عن أهدافه المُغرضة في كتاب ظهر في العام التالي ، وهو كتاب ( المرأة الجديدة ) وبينما كان في كتابه الأول يحوم حول النصوص الإسلامية ، انقلب في كتابه الثاني فهو يرى ترك حرية النساء للنساء حتى لو أدى الأمر إلى إلغاء نظام الزواج حتى تكون العلاقات بين الرجل والمرأة حرة لا تخضع لنظام ولا يُحددها قانون . والمرأة الجديدة التي يقصدها قاسم أمين هي المرأة الأوروبية التي أراد من المصرية أن تتحول إليها وتتخذها مثلاً أعلى ، قال: ( هذا التحول هو كل ما نقصد ، وغاية ما نسعى إليه أن تصل المرأة المصرية إلى هذا المقام الرفيع وأن تخطو هذه الخطوة على سلم الكمال ، وأن تكون مثلها تحرراً ،   فالبنات في سن العشرين يتركن عائلاتهن ويُسافرن من أمريكا إلى أبعد مكان في الأرض وحدهن ، ويقضين    الشهور والأعوام متغيبات في السياحة متنقلات من بلد إلى أخرى ، ولم يخطر على بال أحد من أقاربهن أن    وحدتهن تعرضهن إلى خطر ما ، وكان من تحررها أن يكون لها أصحاب غير أصحاب الزوج ، والزوج يرى أن  زوجته لها أن تميل إلى ما يوافق ذوقها وعقلها وإحساسها وأن تعيش بالطريقة التي تراها مستحسنة في نظرها ) .
وقد قُوبل كتابه الثاني بمعارضة شديدة في الصحف وأُلفت كتب ترد عليه ، ومات قاسم أمين سنة 1908م ودعوته محصورة في أضيق الحدود ، وعند موته قام مناصروه بعمل ( حفل تأبين ) له وأشادوا بدعوته إلى السفور وقد قابل هذا أصحاب الحق بعمل احتفال كبير للدعوة إلى الحجاب وإبراز دور الإنجليز في فتنة السفور .
ولما قامت الحرب العالمية وكانت الفرصة سانحة لإخفات صوت الإسلاميين ، انتهز أنصار الحركة النسائية الفرصة وأصدروا مجلتهم ( السفور ) .
بعد موت قاسم قام بحمل الراية من بعده ( حزب الأمة ) برئاسة سعد زغلول وكانت ثورة 1919م هي   بداية سعيه لتحرير المرأة فقد شاركت النساء في مظاهرة يوم 20مارس سنة 1919م وكانت بمثابة جواز المرور الذي تجاوزت به المرأة الحائط القديم الذي قبعت خلفه طويلاً وقمن بحرق الحجاب في ميدان رمسيس الذي سمي    بعد ذلك بميدان التحرير .
وكان أول نزع علني للحجاب قام به سعد زغلول عند عودته من المنفى فقد دخل على النساء المحجبات في سرادقهن واستقبلته هدى شعراوي بحجابها فمد يده فنـزع الحجاب عن وجهها تبعاً لخطة معينة وهو يضحك فصفقت هدى وصفقت النساء وبهذا الهتك المهين ونزعهن الحجاب ومن ذلك اليوم أسفرت المرأة المصرية    استجابة لرجل الوطنية سعد زغلول.. 
يتبع....