الشبهة الأولى: أن الطواف بالبيت مختلط.
والجواب عن هذه الشبهة: أن الاختلاطَ الواقعَ اليوم في الطوافِ غيرُ جائز.
و الطواف بالبيت لم يكن مختلطاً زمنَ النبي صلى الله عليه وسلم. فالنساء يطفن وحدهن دون الرجال. كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات ، فإذا حاذوا بنا أسدلت إحدانا جلبابها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه " . أخرجه أحمد وأبو داود وسنده حسن . وهذا ظاهر في أن النساءَ في مناسك الحج كنَّ على هيئةِ الجماعة بعيدات عن الرجال .
وقد حصل شيء من الاختلاط بعد النبي صلى الله عليه وسلم فأنكره الخليفة . قال ابن حجر : " روى الفاكهي من طريق زائدة عن إبراهيم النخعي قال : نهى عمر أن يطوف الرجال مع النساء ، قال : فرأى رجلاً معهن فضربه بالدَرَّة ".
و سُئل عطاءُ ابنُ أبي رباح ـ التابعيُ الثقة ـ عن اختلاطِ نساءِ النبي صلى الله عليه وسلم بالرجال في الطواف فقال : " لَمْ يَكُنَّ يُخَالِطْنَ كَانَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَطُوفُ حَجْرَةً مِنَ الرِّجَالِ لَا تُخَالِطُهُمْ " أخرجه البخاري ح1618. وهل أصرح من هذا الجواب. ومعنى حجرة : أي معتزلة في ناحية .
وقد صدر من اللجنة الدائمة رداً على من استدل على جواز الاختلاط بالاختلاط في الطواف ، وهذا نص الفتوى ( رقم الفتوى 6758): " أما قياس ذلك على الطواف بالبيت الحرام فهو قياس مع الفارق ، فإن النساء كن يطفن في عهد النبي ‘ من وراء الرجال متسترات ، لا يداخلنهم ولا يختلطن بهم .." وقد وقع على هذه الفتوى سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز ، وعبدالرزاق عفيفي ، وعبدالله بن قعود ، وعبدالله بن غديان .
أما الواقع الذي نراه من الاختلاط المزعج في المطاف والمسعى ، فإن الواجب إصلاحه بما أمدنا الله جل وعلا من وسائل وإمكانات .
والشبهة الثانية : التي تروجُ على بعضِ العامة في جوازِ الاختلاط : مداواةُ النساء للجرحى من الرجال في الجهاد في سبيل الله زمن النبي صلى الله عليه وسلم .
والجواب عن هذه الشبهة يسير جداً : فإن المداواة هنا للضرورة ، أما الرجال فالجيش بأمس الحاجة إليهم في قتال الكفار .
قال ابنُ حجر في الفتحِ تعليقاً على حديث مداواة الجرحى : " وفيه جوازُ معالجةِ المرأةِ الأجنبيةِ الرجلَ الأجنبيَ للضرورة . قال ابن بطال : ويختص ذلك بذوات المحارم ، ثم بالمُتجالات منهن ( وهن كبيرات السن اللواتي لا يحتجبن كالشابات ) لأن موضعَ الجرحِ لا يُلتَذُّ بلُمسه ، بل يَقشعر منه الجلد ، فإن دعت الضرورة لغير المتجالات فليكن بغير مباشرة ، ولا مس " اهـ كلامُ ابنِ بطال نقلاً عن الفتح .
فانظر إلى فهمِ العلماء وقيودِهم .
و هل نحنُ إلى هذه الدرجةِ من السذاجةِ حتى نستدلَّ بِمُداواةِ الجرحى للضرورة ، على جواز الاختلاط في الاجتماعات والندوات ، والسكرتارية ، وفي كل ميادين التطبيب والتمريض بلا ضرورة أو حاجة ملحة .
والسؤال هنا كيف يتم تصحيح حال المستشفيات من واقع الاختلاط ؟.
يتمنى كثير من الأطباءُ الأخيار ، والطبيباتُ الخيرات ، وغيرُهم : منعَ الاختلاطِ في المستشفيات ، لكنهم يشعرون بصعوبة التغيير ، وبعضهم ليس في ذهنه مشروعاً يطمح الوصول إليه وإن كان ينكر الواقع المنحرف .
وأطرح هنا مشروعاً للمتفائلين ، وهو أن يكون التصحيح على مرحلتين : المرحلة الأولى على المدى القريب ، والمرحلة الثانية تكون على المدى البعيد .
أما المدى البعيد فهو ما نادى به سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، و من قبله سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، وهو إيجادُ مستشفى خاصٍ بالنساء ، وآخرُ بالرجال . ويبدأ ذلك من دراسة الطب : كليةٍ خاصةٍ للنساء ، وأخرى للرجال ، ومستشفى تعليمي للنساء ، وآخرُ للرجال .
يتبع...
بقلم / يوسف بن عبد الله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام / كلية الشريعة بالرياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بك أخي القارئ...
يسعدنا رأيك ومشاركتك في نقد مواضيعنا في كل حين..