أما الحل الذي يكون على المدى القريب فيكون بأمور :
أولاً: وجودُ القناعةِ الشرعيةِ بحرمةِ الاختلاط بالأدلةِ الشرعيةِ كما سبق ذكره. وتكرارُ الوعي فيه بين العاملين في الميدانِ الطبي وغيرِهم.
ثانياً: أن يقومَ ببيانِ ذلك للأطباءِ و طلابِ الطب الأطباءُ أنفسُهم. فلابد أن يسمعَ طالبُ الطبِ من أستاذِه الصالح: أن الاختلاط محرمٌ شرعاً، وأن هذا الواقعَ لابدَ من إصلاحِه. و أن الجميع يتحمل واجب تغييره، و أنه لابد أن يتحقق إن شاء الله في يوم من الأيام.
وبيان ذلك من أساتذة الطب لطلابهم هو أفضل طريق لتخلص طلابِ الطب من عقدةِ الانهزامية في طرح القضايا الشرعية نظرياً أو عملياً كموضوع منع الاختلاط ،وحفظ العورات.
وبعضُ الأطباء الصالحين لا يريد أن ينتقد فيسكت ، أو يبرر واقع الاختلاط ، أو يقول بأن التغيير مستحيل فينشر التثبيط وهو لا يشعر ، والصواب أن لا يذكر ذلك حتى لو كانت هذه قناعته الشخصية ، لأن الله قد يفتح على غيره من معرفة طرق الإصلاح ما لا يعلم .
ثالثاً : التدرج في منع الاختلاط .
نتدرج مع الناس ، ومع الأطباء ، فإنهم بحاجة لأن يتدرجوا مع أنفسهم في منع الاختلاط ، لطول ما نشأوا عليه ، فيضع الأخيار تخطيطاً متدرجاً حتى يتم قبوله من الكثير.
فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها في المراحل الأولى ؛ ومنها الدروس النظرية التي يقدمها أساتذة الطب لطالبات الطب ، فهذه يجب أن تكون من وراء الهاتف أو الشبكة .
واجتماعات الأقسام اليومية أو الدورية ، أو المحاضرات الطبية ، ما المانع أيضاً أن تكون من وراء حجاب كما أمر الله تعالى ، فيكون للنساء غرفة ، وأخرى للرجال ، ويكون النقاش من خلال الهاتف .
ومن الأمور اليسيرة في قسم العمليات : أن تخصص غرف للمريضات ، وأخرى للرجال. فالتي تكون للنساء لا يدخلها إلا النساء من الطبيبات والفنيان والممرضات ، وما دعت إليه الضرورة من الرجال .
وهكذا فهناك أمور يسهل منع الاختلاط فيها ، وأخرى يسهل تقليل الاختلاط فيها ، فإذا كان عدد الرجال الذين يتولون تدريس الطالبات الدروس العملية مثلاً خمسة ، وأمكن تقليلهم إلى ثلاثة فهذا نجاح وخطوة إلى الأمام .
ومن التدرج : إلزام الطبيبات ، و الفنيات ، والممرضات ؛ المسلمات وغير المسلمات لباساً ساتراً و موحداً في لونه وصفته ، وأن يكون التزامها بذلك في تقويمها الإداري أوالدراسي إن كانت طالبة .
وهذا كله كما بينت على سبيل التدرج ، وليس هو الأمر المنشود ، فالأصل ألا تخالط المرأةُ الرجال .
رابعاً : إنشاء مستشفيات رجالية من حيث المرضى والعاملين ، وهو أمر في غاية اليسر. فبعض الناس يظن أن المشكلة متعلقة بالمريضة فقط ، والصواب أنها متعلقة بالمريض ، والعاملات في الميدان الطبي أيضاً . وإنشاء مستشفيات نسائية كذلك ، و من المستشفيات التي ظهرت في أرض الواقع : مستشفى الوفاء النسائي بعنيزة ( بطاقم نسائي متكامل ) التابع لجمعية البر الخيرية ، وقد مضى عليه الآن قرابة الأربع سنوات ، وهو في تقدم ونجاح مستمر ولله الحمد ، والأصل فيه تخصص النساء والولادة والأطفال ثم توسع فأضاف تخصص الأسنان والباطنية والجراحة العامة . فبارك الله في جهودهم في حفظ عورات المؤمنات .
والوقوع دليل الجواز وزيادة كما يقول الأصوليون ، ولن تعجز وزارة عما استطاعته جمعية خيرية في إحدى المحافظات .
خامساً : السعي في إنشاء كليات طب النساء والولادة ، كما هو الحال في كليات طب الأسنان (ولكن تكون كليات طب النساء والولادة للطالبات فقط ، ويتبعها مستشفى تعليمي للنساء والولادة ) وهذه الفكرة يتبناها عدد من أساتذة الطب الكبار عندنا ، ( ويوجد في اليابان سبع عشرة كلية لطب النساء والولادة ، ولا يدخلها إلا الطالبات فقط ) . والسعي في أن تكون جميع كليات الطب على هذا الفصل .
سادساً : الانتفاع بالتعاميم الإدارية الصادرة من وزارة الصحة ، والكليات الطبية ، وهي كثيرة و لله الحمد ، وعلى رأسها تعميم رئيس مجلس الوزراء وفقه الله رقم (759/8 في 5/10/1421هـ ) والمتضمن : اعتماد منع الاختلاط بين النساء والرجال في الإدارات الحكومية ، أو غيرها من المؤسسات العامة ، أو الخاصة أو الشركات ، أو المهن ، ونحوها ومحاسبةُ المخالف كرامةً للأمة وإبعاداً لها عن أسباب الفتن والشرور . كما جاء في نص التعميم .
سابعاً : الانتفاع بفتاوى أهل العلم ونشرها بين طلاب الطب ، والعاملين في المستشفيات. وأنقل ثلاث فتاوى :
الأولى : للإمام محمد بن إبراهيم آل الشيخ رحمه الله وجاء فيها : " .. وذلك أن الرجال والنساء الذين يرتادون المستشفيات للعلاج ينبغي أن يكون لكل منهم قسم خاص من المستشفى ؛ فقسم الرجال لا يقربه النساء بحال ، و مثله قسم النساء ؛ حتى تؤمن المفسدة ، وتسير مستشفيات البلاد على وضع سليم من كل شبهة ، موافقاً لبيئة البلاد ودينها وطبائع أهلها ، وهذا لا يكلف شيئاً ، و لا يوجب التزامات مالية أكثر مما كان ، فإن الإدارة واحدة ، والتكاليف واحدة ، مع أن ذلك متعين شرعاً مهما كلف" .انتهى كلام الإمام محمد بن إبراهيم رحمه الله .(13/221) .
والفتوى الثانية ، فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله ، وهذا نص السؤال : " ما رأي سماحتكم في تطبيب المرأة للرجل في مجال طب الأسنان ، هل يجوز ؟ علماً بأنه يتوافر أطباء من الرجال في نفس المجال ، ونفس البلد .
فأجاب الشيخ عبدالعزيز بن باز : " لقد سعينا كثيراً مع المسؤلين لكي يكون طب الرجال للرجال ، وطب النساء للنساء ، وأن تكون الطبيبات للنساء ، والأطباء للرجال في الأسنان وغيرها ، وهذا هو الحق ؛ لأن المرأة عورة وفتنة إلا من رحم الله ، فالواجب أن تكون الطبيبات مختصات للنساء ،والأطباء مختصين للرجال إلا عند الضرورة القصوى إذا وجد مرض في الرجال ليس له طبيب رجل ، فهذا لا بأس به ، والله يقول : " وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه " (الأنعام 119) . وإلا فالواجب أن يكون الأطباء للرجال ، والطبيبات للنساء ، وأن يكون قسم الأطباء على حدة ، وقسم الطبيبات على حدة . أو أن يكون مستشفى خاصاً للرجال ، ومستشفى خاصاً للنساء حتى يبتعد الجميع عن الفتنة والاختلاط الضار . هذا هو الواجب على الجميع ". انتهت فتوى الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله .
والفتوى الثالثة : فتوى اللجنة الدائمة رقم ( 13947)في جوابها على استفتاء مدير جامعة الملك سعود عن حكم تدريس الرجل للطالبات وهي في غاية الأهمية ، ونصها:" الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لانبي بعده ، وبعد :
فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة الرئيس العام من معالي مدير جامعة الملك سعود ، والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم (432)في 25/5/1411هـ.وقد سأل معاليه سؤالا ًهذا نصه:
تعلمون سماحتكم أن جامعة الملك سعود تستوعب العدد الأكبر من الطالبات ، مقارنة بغيرها من جامعات المملكة ، حيث تضم أكثر من (11000) طالبة ، وذلك انطلاقا من حاجة هذا البلد لإتاحة الفرصة للطالبات في مواصلة تعليمهن ، ولما للعلم من أهمية للمرأة المسلمة ، ولسد حاجة هذا البلد من المهن التي تحتاجها المرأة ، والاستغناء عن ظاهرة استقدام الأجنبيات ؛ لتجنب السلبيات الناتجة عن ذلك . وكذلك لتوفير التعليم للطالبات السعوديات داخل المملكة ؛ حتى لا يضطرون إلى السفر خارجها . والدراسة في بيئات مختلفة العقيدة والعادات والثقافة ، وحرصا منا على سلامة منهج الجامعة ، ورغبة في أن تتم جميع أمورها في إطار من نظرة الإسلام الخالدة للإنسان ، وتنظيمه لشؤون حياته كلها ، واستكمالا للمفاهمة مع سماحتكم حول بعض المشكلات التي تواجهها الجامعة في تدريس الطالبات ، ومنها تدريس المقررات العلمية والطبية ومواد الدراسة العليا ، والمواد الأخرى التي يصعب فيها شرح تلك العلوم بواسطة الدائرة التلفزيونية ؛
حيث إن المحاضرة تكون معتمدة على تجارب حيوية يصعب توصيلها بالصورة مثل مادة التشريح وغيرها ، إلى جانب السلبيات الكثيرة التي بدت للجامعة من التدريس بواسطة التلفاز ، ولما يرافقه من مشكلات ، منها متعلقة بالتشغيل ؛ فكثيرا ماينقطع الإرسال ، أويشوش على الطالبات، مما يتأثر به الجدول الدراسي ، إذ تتداخل المحاضرات ، ومنها تشويش الطالبات بعضهن على بعض أثناء هذه المحاضرة ، وعدم إيلائهن المحاضر الاهتمام الكافي ، وصعوبة ضبط الفصل ، وخاصة بالنسبة للمشرفات ، وهن قلة في الجامعة ، إلى جانب التكاليف الكبيرة في إنشاء أماكن البث والاستقبال ، وهي كثيرة لكثرة أعداد الطالبات ، والمتاعب الوفيرة في الصيانة ، وصعوبة استقدام الفنيين المؤهلين بمرتبات عالية ، أوالتعاقد مع شركات الصيانة الباهظة الثمن ، مما يكلف الجامعة الكثير ، وحيث إن ذلك كله حادث بسبب قلة عضوات هيئة التدريس وندرتهن ، وعدم تمكن كثير منهن من الحضور إلى المملكة في الأوقات المحددة ، إلى جانب عدم الثقة المطلقة بمن يستقدمن من الخارج ، وخاصة الأجنبيات اللاتي تختلف ديانتهن وأخلاقهن ، وعاداتهن عما نسير عليه في هذا البلد الآمن ، الأمر الذي يستدعي أن تكثف الجهود لتخريج عضوات هيئة تدريس سعوديات مؤهلات لتولي مهام التدريس للطالبات في المستقبل ، وحتى نتمكن من الوصول إلى هذه المرحلة إن شاء الله ، بزمن قصير ؛ لا بد من تمهيد الطريق إلى تلك المرحلة بإعادة النظر في تدريس الطالبات بما يتفق ونظر الشرع الكريم ، سواء في المرحلة الجامعية أومابعد المرحلة الجامعية ، وحيث إن ديننا الإسلامي كما تعلمون سماحتكم يتميز ولله الحمد عن الأديان الأخرى باليسر المتمثل في قوله تعالى : (فاتّقوا الله ما استطعتم ) ؛ فإننا نعرض على سماحتكم هذه المشكلة ونود أن تفيدونا وفقكم الله برأيكم الشرعي في إمكانية أن يقوم عضو هيئة التدريس الرجل ( في حالة الضرورة التي لا يتوفر فيها مدرسات ) بتدريس الطالبات مباشرة على أن يكنّ هؤلاء الطالبات محجبات حجابا كاملا أومتنقبات تظهر أعينهن فقط ، من أجل متابعة الشرح على السبورة وخاصة منهن في نهاية المقاعد ، وكما يحدث عند الوعظ في المساجد مع وضع الضوابط الكافية لحسن اختيار عضو هيئة التدريس من حيث نزاهته واستقامته ، ومراقبة الطالبات مراقبة صارمة من حيث المحافظة على الحجاب ، والاحتشام الكامل ، ومعاقبة المخالفات منهن بالحرمان من الامتحان ، أوالطرد من الجامعة إذا تكررت مخالفتهن ، وغير ذلك من ضوابط يمكن أن تبحث عند تطبيق هذا النظام .
إننا نعتقد أن سماحتكم يشاركنا المشكلة التي يتعرض لها تعليم البنات في جامعة الملك سعود ، كما نعتقد أنكم حريصون على مصلحة هذه الأمة ، نساء ورجالا ، ومن هذا المنطلق فاتحنا سماحتكم بهذه الفكرة راجين التكرم بالنظر فيها بما يحقق المصلحة للجميع ، سائلين الله أن يثيبكم ، وأن يوفقكم لخير الدارين ، إنه سميع مجيب ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأنه لا يجوز للرجل تدريس البنات مباشرة ، لما في ذلك من الخطر العظيم والعواقب الوخيمة .
انتهى..
من كتاب: الاختلاط وكشف العورات في المستشفيات
( الواقع والعلاج )
بقلم / يوسف بن عبد الله الأحمد
أستاذ الفقه المساعد بجامعة الإمام / كلية الشريعة بالرياض
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
مرحبا بك أخي القارئ...
يسعدنا رأيك ومشاركتك في نقد مواضيعنا في كل حين..